Success stories of Palestinian achievers from all over the world
عبير النجار.. بأناملها تعيد إحياء فن صناعة الزجاج

عبير النجار.. بأناملها تعيد إحياء فن صناعة الزجاج

02-Apr-2023

 
 
رام الله - حكاية الزجاج التقليدي الفلسطيني، تعد من الحكايات القديمة جدا. فصناعة الزجاج بدأت في فلسطين منذ عهد الرومان وكانت سائدة في عهد الفينيقيين واستمرت إلى يومنا هذا، لتعد من أهم وأبرز الحرف التقليدية التي توشك على الاندثار رغم ندرتها وجمالها.
وتبدع الأنامل في هذه الصناعة لتخرج قطعا فنية لا يمكن أن تجد لها مثيلا حيث لها جماليتها الخاصة التي لا يمكن أن تلغى، كونها جزءاً لا يتجزأ من التراث الفلسطيني على مدى الجغرافيا.
ورغم قلة من يدرسون هذا النوع من الفنون "فن صناعة الزجاج" وقلتهم إلا أنه لازال هنالك شباب واع يدرك تماما أهمية هذه الحرفة التقليدية وكيفية البناء عليها وتطويرها مع أساليب التطور والتكنولوجيا الجديدة وإدخال روح الحداثة عليها وكذلك العمل على تجسيد الواقع فيها من خلال إبداع قطع فنيه تروي قصصا وتجسد قضايا اجتماعية.
حكاية عبير مع الزجاج
الشابة عبير النجار فضلت أن تتميز في اختيار مهنتها والتي رغم صعوبتها وما تحمله من مشقة وجهد للعمل فيها إلا أنها احترفتها وأبدعت فنا مميزا بصناعة الزجاج يدويا، من خلال مشروع صناعة الزجاج "Blazing"، لتعيد الاهتمام بهذه الصناعة التي تراجعت منذ وقت طويل لتقف أمام الفرن وتصنع إبداعات من الزجاج في محاولات منها لإحياء فن تشكيل الزجاج في فلسطين، وأن تعمل على تعليم ونشر هذه الحرفة لإعجابها وعشقها الشديد لهذا الفن.
تتحدث الشابة عبير قائلة: هدفي الأساسي بالدرجة الأولى زيادة التوعية المجتمعية بأهمية العمل الحرفي وإنقاذ مهنة فن الزجاج اليدوي من الاندثار، والتي اقتصرت على مدينة الخليل، وربما شغفي بهذا النوع من الفنون لما فيه من حرفية عالية وجمالية مميزة إضافة لعدم وجود سيدات يعملن ويحترفن بهذا المجال هو ما دفعني لأتعلمه فقد درست وتعلمت تصميم الزجاج وتربية الفنون بأكاديمية متخصصة في مدينة القدس المحتلة، من أجل إعادة إحياء هذا الفن، والعمل فيه دون كلل أو ملل.
وتضيف عبير: هذا النوع من الصناعة إضافة لكونها صناعة تقليدية، فهي صناعة صديقة للبيئة، فأنا أصمم وأعمل من الزجاج تصاميم خاصة عبر العمل بالزجاج الحار وليس الرسم على الزجاج حيث أقوم بتشكيله بجهاز خاص أو بالقوالب من مواد خاصة ثم إدخاله للفرن وتشكيله أو عن طريق النفخ، بالنسبة للأفران الخاصة بصناعة الزجاج" صهره".
الزجاج يبدأ بالانصهار على درجة حرارة 1500-2000، عندها تبدأ عبير بسحب (الزجاج) منه، وتقول "فيما يتعلق بوقوفي أمام الفرن شديد الحرارة أكون سعيدة جدا خاصة وأنني أمسك خامة صلبة وأقوم بتحويلها لمادة لينة أطوعها بيداي بالشكل الذي أريد لأخرج منها تحفة تبهر الناظرين لشدة جماليتها فرغم التعب في هذه المهنة إلا أن النتيجة تستحق".
حبها للعمل في صناعة الزجاج
تعتبر صناعة الزجاج من الحرف العريقة التي تتوارثها الأجيال جيلا بعد جيل ومنذ عرف الناس كيف يصنعون الزجاج، فإنهم لجأوا إلى استعماله أيضًا باعتباره مادة فنية، كما أصبح هناك فن قائم بحد ذاته على إنتاج أعمال فنية تنتج لمرة واحدة لا غير وهي مصنوعة كليا أو جزئياً من الزجاج تسمى بفن الزجاج.
وعن متطلبات هذه المهنة، تقول عبير: لعل من أهم متطلبات العمل في مهنة الزجاج هو تحمل مشقة العمل أمام أفران الصهر وتوفر الروح الإبداعية والفنية التي تؤهل العامل بهذا المجال لاكتساب مهارات التشكيل، ولكن للأسف لا يوجد الإقبال الكافي لتعلم هذه الحرفة، فعدد الفنانين العاملين فيها لا يتجاوز الخمسة عشر ممن يتعلمونها وجزء كبير منهم لازالوا يدرسون ولم يتخرجوا بعد، ربما لأن هذه الصناعة لم تعد منتشرة كذي قبل والمعظم يفضل التوجه لمهن أخرى قد تكون أقل مشقة وأكثر دخلا.
وتتابع: ما أحبه أكثر بهذا العمل أنه صديق للبيئة حيث أقوم بإعادة تدوير القطع الزجاجية التي أقوم ببيعها كالأواني التي تكسر أقوم باستخدامها عن طريق صهرها واعادة تشكيلها وتطويعها لإنتاج وصناعة تحفة جديدة كليا ، هنالك قطع يحتاج العمل عليها وقتا قصيرا جدا كالخمس دقائق وقطعا أخرى يحتاج العمل عليها لإنجازها خمسة شهور من العمل المتواصل دون كلل أو ملل، وأهم ما في هذا العمل الحذر الشديد عند التعامل مع الحرارة والأفران وكذلك عند عملية النفخ فقد تتجاوز الحرارة الألف، وعلينا استغلال هذه الحرارة العالية لتشكيل الزجاج كيفما نريد، ولا أعتمد فقط على بيع القطع الفردية كذلك أقوم بعمل التصاميم الخاصة للفنانين.
الطموح
حين يعرف الإنسان شغفه الحقيقي تتحول حياته إلى عالم من المتعة والسعادة، فالشغف هو دليل الإنسان إلى ما يحب وبه وحده يمكن له رسم حياته كما يريد، وخلف كل مشروع ناجح ايمان صاحبه بأنه باب للتعلّم والنموّ، وترى أنّ العمل في مجال صناعة الزجاج يعني أن الأشياء تتغير وتتطور باستمرار وعلينا تطوير أنفسنا والانخراط في بيئة عمل تشجع الابتكار والاجتهاد ونشجع غيرنا على ما نقوم به.
وعن طموحها تقول الفنانة النجار: أنا أطمح من خلال مشروعي أن أعيد إحياء هذه الحرفة وأعيد الاهتمام بفن الزجاج للبلد لأن الزجاج اخترع بهذه الأرض، وأسعى لتطويره عبر استعمال التقنيات الحديثة والمعاصرة، فرغم وجوده بمدينة الخليل إلا أن العمل فيه لازال يتم عبر استخدام طريقة النفخ رغم وجود العديد من الطرق والآليات المبتكرة فالعلم يتطور، والأدوات والمعدات تتغير، حتى أن الفنان يستطيع أن يعبر عن نفسه من خلال عمله بالزجاج وكذلك يمكنه ابراز قضايا مجتمعيه عبره، حيث أعمل على استغلال هذه المادة والتقليل من خواصها كالكسر والشفافية، وأسعى لأن يولد جيل جديد يتعلم ويحب فن الزجاج لتعود هذه المادة وتعيش من جديد.
وواصلت: كما اطمح في الوقت القريب ليكون ضمن مشروع صناعة الزجاج "Blazing"، مدرسة صغيرة لتعليم فن الزجاج والسيراميك بالتقنيات الحديثة وتشكيلها بأشكال مختلفة في التصميم وإعادة التدوير لإنتاج فنون مختلفة ليس كما هو متعارف عليه عن الزجاج أنه "جاطات وكاسات وصحون" بل هنالك مشاريع فنية كثيرة تنبثق عنه، خاصة أن أهميته تكمن من كونه حرفة عريقة يجب أن تتوارثها الأجيال جيلا تلو الآخر مع إدخال روح الحداثة والعصر فيه .
شفافة
الفنانة عبير النجار التي تصنع بأناملها من الزجاج حكايات وتناقش قضايا مجتمعيه تطرحها عبر الفن الذي تمارسه كان لقضية العنف ضد المرأة دورا بارزا في اعمالها لتسليط الضوء عليها عبر مشروع "شفافة" وهذا ما يؤكد أهمية الفن في طرح القضايا المجتمعية والتعبير عنها على أرض الواقع وايضاح دور الفن والفنانين في محاولة معالجتها وايصالها للعالم.
تتحدث قائلة: عملت من الزجاج قطعا مختلفة ضمن مشروع "شفافة "لأعبر من خلاله عن قضية مهم تخص النساء وهي ظاهرة العنف ضد النساء، فلا يزال موضوع قتل النساء موضوعا يغلب عليه طابع الخصوصية، ويجري التعامل معه كقضية خاصة، وتوضع الكثير من القيود أمام من يسعى للاطلاع على تفاصيله، عوضا عن مناقشتها بصورة منهجية، منظمة ومناسبة، لذلك كان هذا العمل ليسلط الضوء على القضية وعلى ظاهرة العنف ضد المرأة عموما، ولتخليد ذكرى النساء اللواتي قتلن في حوادث عنف سواء في الداخل الفلسطيني والضفة الغربية وغزة، وقد قمت بإنتاج قطع فنية تهدف إلى رفع الوعي بقضية العنف ضد المرأة ولقد جرى اختيار اسم العمل " شفافة" للإشارة إلى تجاهل مجتمعاتنا لهذه القضية، والتعامل معها على انها غير مرئية.
تلك هي حكاية الفنانة عبير النجار مع الزجاج التقليدي الفلسطيني، هذه الحرفة القائمة من آلاف السنين والتي كانت حكرا على الرجال فقط لما تتطلبها من مشقة وجهد ومع أنها لا زالت تمارس حتي يومنا هذ إلا أنها مهددة بالتلاشي، وعبير تسعى لإحياء هذا النوع من الفنون بالأساليب والطرق الحديثة دون كلل وملل، لتعيد للزجاج رونقة وتحكي عبره حكاية فلسطين. (القدس دوت كوم)